الإثنين – 17 فبراير 2025
/ تقرير / وضاح قحطان الحريري
الجنوب اليوم ليس في أزمة عابرة، بل في معركة مفتوحة على كل الاتجاهات، حيث تتداخل الحسابات السياسية مع الأزمات المعيشية، وتُستخدم معاناة الناس كورقة ضغط لتمرير مخططات أكبر. الاحتجاجات التي تجتاح عدن لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة طبيعية لانهيار العملة، الغلاء الفاحش، وانعدام الخدمات، لكن الأخطر من ذلك أن هناك من يسعى لتحويل هذه الانتفاضة من صرخة شعبية إلى أداة سياسية لضرب المجلس الانتقالي وإعادة الجنوب إلى مربع الفوضى.
انهيار العملة.. كارثة مفتعلة أم نتيجة طبيعية؟
يقول العم أحمد، وهو صاحب متجر قديم في الشيخ عثمان: “في الصباح تبيع بسعر، وفي المساء بسعر آخر.. من يملك رواتب ثابتة بالكاد يعيش، فكيف بمن لا يملك شيئًا؟ الأسعار نار، والحكومة لا تهتم! هذا الوضع مش طبيعي، صار كل شيء مقلوب. إذا استمر الحال هكذا، فالناس ما بيقدروا يتحملوا أكثر من كده.”
هذا التدهور الجنوني للعملة لم يأتِ نتيجة عوامل اقتصادية فقط، بل هو جزء من لعبة أكبر، حيث يتم التلاعب بالسوق المصرفية لمنع الجنوب من امتلاك استقرار مالي مستقل. اليوم، لا يمكن استيراد أي شيء دون المرور عبر مراكز نفوذ الشمال، ولا يمكن فتح أي مشروع اقتصادي جنوبي دون أن يُحاصر بالقيود والضرائب المفروضة من مراكز القوى المستفيدة من هذه الفوضى.
من المستفيد من إفقار عدن؟
إذا أردت أن تعرف من يقف خلف هذه الأزمات، فابحث عن المستفيد. انهيار العملة، تعطيل الخدمات، وإشعال الشارع ليس مجرد نتيجة ضعف إداري، بل سياسة ممنهجة تديرها عدة أطراف:
الحوثيون وأدواتهم: لا يخفى على أحد أن الحوثي، الذي عجز عن السيطرة على الجنوب عسكريًا، يحاول اختراقه اقتصاديًا واجتماعيًا. الرئيس عيدروس الزبيدي حذر بوضوح: “علينا أن نكون أكثر وعيًا من المندسين الذين غُسلت أدمغتهم في صنعاء وجاؤوا إلى الجنوب لتنفيذ أجندات الحوثي. هؤلاء لا يريدون الخير لشعبنا، بل يسعون إلى تمزيقه خدمة لمشروع الشمال.”
حكومة الفساد: لا يزال الجنوب يدفع ثمن اتفاقات سياسية لم تُنفذ، وحكومات لم تقدم شيئًا سوى التصريحات الفارغة، بينما يعيش الوزراء والمسؤولون في فنادق الخارج، تاركين المواطن يواجه الجوع والفقر والبطالة.
قوى داخلية متواطئة: هناك من يعمل من الداخل، متسترًا بشعارات براقة، لكنه في الحقيقة يُنفذ أجندات تهدف إلى إسقاط عدن في مستنقع الفوضى. هؤلاء ليسوا مع الجنوب، بل مع من يدفع لهم أكثر.
الانتفاضة.. من الاحتجاج إلى الفوضى الموجهة
يقول الشاب علي، وهو أحد المشاركين في احتجاجات كريتر: “خرجنا نطالب بحقوقنا، لكن فجأة ظهرت وجوه غريبة.. ناس لا نعرفهم، يرفعون شعارات سياسية بدل المطالبة بالكهرباء والماء.. هناك من يريد استخدام غضبنا لمصالحه.”
المشهد أصبح واضحًا، هناك من يريد حرف مسار هذه الانتفاضة، وتوظيفها لإسقاط المجلس الانتقالي لا لمحاسبة الفاسدين الحقيقيين. هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، فكلما تقدم الجنوب خطوة نحو فرض سيادته، جاءت أيادٍ خفية لإعادته إلى نقطة الصفر.
الدور الدولي.. لماذا يستمر الصمت؟
الدور الدولي في الأزمة الجنوبية يثير تساؤلات كثيرة: لماذا لا يتحرك المجتمع الدولي لإيجاد حلول حقيقية للأزمة؟ ولماذا يتم التعامل مع الجنوب كملف ثانوي في ظل كل هذه الأزمات؟
السعودية تدير الملف بحسابات دقيقة، فهي لا تريد للجنوب أن ينهار بالكامل، لكنها أيضًا لا تريد أن يصبح قوة مستقلة تهدد التوازنات الإقليمية.
الإمارات، التي كانت الداعم العسكري الأقوى للمجلس الانتقالي، خففت من تدخلها المباشر في السنوات الأخيرة، مما جعل المجلس في مواجهة مباشرة مع التحديات الداخلية.
الدول الكبرى تتعامل مع الأزمة اليمنية من منظور المصالح لا المبادئ، وما يهمها هو تأمين مصالحها، لا تحسين أوضاع الناس.
المخطط الكبير: الجنوب تحت الاستهداف
ما يجري اليوم ليس أزمة معيشية فقط، بل محاولة لإعادة الجنوب إلى مربع التبعية من خلال أدوات متعددة:
1. إفقار الجنوب اقتصاديًا عبر انهيار العملة، واحتكار الموارد، ومنع أي نهضة اقتصادية مستقلة.
2. تفكيك النسيج الاجتماعي بإثارة الصراعات بين الجنوبيين، وصناعة الانقسامات الداخلية لضرب أي وحدة سياسية.
3. تحويل الاحتجاجات إلى ورقة لإسقاط المجلس الانتقالي، مما يعني ضرب أهم مكسب سياسي للجنوب منذ سنوات.
الوعي هو السلاح الأقوى
اليوم، أبناء الجنوب أمام خيارين: إما أن يدركوا حقيقة ما يُحاك ضدهم، ويقفوا صفًا واحدًا ضد من يريد تدميرهم، أو أن يسمحوا لهؤلاء المتآمرين بتحقيق أهدافهم.
الرئيس عيدروس الزبيدي قالها بوضوح: “المعركة اليوم ليست فقط معركة سلاح، بل معركة وعي.. من يفقد وعيه، يخسر وطنه.”
وهذا هو التحدي الحقيقي: هل نسمح لأنفسنا بأن نُخدع مرة أخرى؟ أم نكون أذكى من المخططات التي تستهدف مستقبلنا؟ الكرة الآن في ملعب أبناء الجنوب، والوقت ليس في صالحنا.
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025
فبراير 20, 2025