(المدارة) خاص
الأربعاء 26 فبراير 2025م
يشهد اليمن أزمة حادة في توفر الغاز المنزلي، حيث أصبحت الطوابير الطويلة أمام محطات التوزيع مشهدًا مألوفًا في العديد من المحافظات، وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وشكاوى مستمرة من المواطنين حول شح الكميات المطروحة في السوق المحلية. وبينما يعاني المواطن من هذه الأزمة الخانقة، تكشف تقارير ميدانية وشهادات متطابقة عن وجود عمليات تهريب منظمة للغاز المنزلي إلى دول الجوار، في تجارة غير مشروعة تدر أرباحًا طائلة على حساب معاناة اليمنيين، الذين يواجهون أحد أسوأ الأوضاع المعيشية في تاريخ البلاد.
بحسب مصادر مطلعة في قطاع الطاقة، فإن عمليات التهريب تتم عبر شبكة معقدة من الموردين والوسطاء الذين يستغلون غياب الرقابة وضعف الأجهزة الأمنية في بعض المناطق، حيث يتم تحميل كميات كبيرة من الغاز المخصص للاستهلاك المحلي، ومن ثم بيعها بأسعار مرتفعة في أسواق الدول المجاورة. وتتم هذه العمليات بطرق متعددة، بعضها عبر المنافذ البرية باستخدام شاحنات مموهة، والبعض الآخر عبر موانئ صغيرة يتم من خلالها نقل كميات من الغاز على متن قوارب مجهزة لهذا الغرض. وتؤكد مصادر في قطاع توزيع الوقود أن هذه العمليات تجري تحت حماية شخصيات متنفذة، تمتلك نفوذًا واسعًا داخل مؤسسات الدولة، مما يجعل من الصعب وقف هذه التجارة غير المشروعة التي تفاقم أزمة الغاز في الداخل.
في مدن مثل عدن وتعز وحضرموت، باتت أزمة الغاز المنزلي تشكل عبئًا يوميًا على المواطنين، حيث تضاعفت الأسعار في السوق السوداء خلال الأشهر الأخيرة، حتى وصل سعر الأسطوانة الواحدة إلى ما بين 15 و30 دولارًا، في حين أن السعر الرسمي لا يتجاوز 5 دولارات. ويؤكد المواطن أمين عبدالكريم، وهو أب لخمسة أطفال، أن الحصول على أسطوانة غاز أصبح تحديًا يوميًا، حيث يضطر للانتظار لساعات طويلة في الطوابير أمام محطات التوزيع، فقط ليُفاجأ في النهاية بأن الكمية نفدت قبل أن يصل دوره، بينما تُباع الأسطوانات بسهولة في السوق السوداء لمن يدفع أكثر. ويضيف أن “الفساد والتهريب هما السبب الرئيسي في هذه الأزمة، فلو كانت الكميات المخصصة للمحافظات تصل فعلًا إلى المواطنين، لما كنا نواجه هذا الوضع الكارثي”.
من جانبه، يؤكد أحد موزعي الغاز في عدن، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الأزمة ليست ناتجة عن نقص في الإنتاج، بل عن عمليات تهريب واسعة النطاق تسببت في شح المعروض في الأسواق المحلية. ويوضح أن هناك كميات كبيرة من الغاز تخرج من المصافي والموانئ بشكل رسمي، لكنها لا تصل إلى المستهلكين، بل يتم تمريرها إلى تجار يعملون على تهريبها إلى دول الجوار، حيث ترتفع الأسعار بشكل كبير، مما يحقق لهم مكاسب مالية ضخمة على حساب المواطن اليمني. ويضيف أن هذه الشبكات تعمل بالتواطؤ مع مسؤولين داخل مؤسسات الطاقة والنقل، وهو ما يجعل مكافحتها أمرًا صعبًا في ظل غياب الرقابة الفعالة من الجهات الحكومية.
ورغم تصاعد الأصوات المطالبة بوضع حد لهذه الظاهرة، إلا أن الإجراءات الحكومية لا تزال قاصرة عن وقف عمليات التهريب أو الحد من نفوذ المتورطين فيها. وتؤكد مصادر حكومية في قطاع النفط والغاز أن السلطات على دراية بحجم المشكلة، وقد تم إصدار توجيهات بتشديد الرقابة على المنافذ الحدودية، وفرض إجراءات صارمة لمراقبة عمليات التوزيع. لكن هذه المصادر تقر بأن هناك تحديات كبيرة تعيق تنفيذ هذه الإجراءات، مشيرة إلى أن بعض الأطراف المتورطة تمتلك نفوذًا داخل مؤسسات الدولة، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرارات حاسمة ضدها.
ويرى خبراء اقتصاديون أن استمرار تهريب الغاز المنزلي سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، وسيفرض أعباء إضافية على المواطنين الذين يواجهون بالفعل ضغوطًا معيشية هائلة. ويؤكد الخبير الاقتصادي عبدالعزيز العواضي أن تجارة التهريب ليست جديدة، لكنها تفاقمت في السنوات الأخيرة نتيجة غياب الرقابة الفعالة، وضعف الدور الحكومي في إدارة الموارد. ويشير إلى أن استمرار هذه العمليات يعني مزيدًا من التدهور في قطاع الطاقة، مما سيؤثر على مختلف جوانب الحياة اليومية، وسيسهم في تعميق الأزمة الإنسانية التي يعاني منها ملايين اليمنيين.
وفي ظل تفاقم هذه الأزمة، تزايدت الدعوات من قبل منظمات المجتمع المدني والناشطين للمطالبة بفتح تحقيق شامل في عمليات تهريب الغاز، ومحاسبة الجهات المتورطة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية. ويطالب الناشط الحقوقي نبيل السعدي بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في هذه الجرائم الاقتصادية، وكشف المتورطين فيها للرأي العام، مؤكدًا أن السكوت عن هذه الظاهرة يعني استمرار معاناة المواطنين، الذين أصبحوا رهائن لجشع تجار الأزمات. ويضيف أن ما يحدث ليس مجرد أزمة نقص في الغاز، بل هو انعكاس لمنظومة فساد واسعة تمتد عبر شبكات التهريب والسوق السوداء، وتتطلب إرادة سياسية قوية لكسر هذه الحلقة المفرغة التي تحرم المواطنين من أبسط حقوقهم.
ومع استمرار عمليات التهريب في ظل ضعف الإجراءات الحكومية، يبقى المواطن اليمني هو المتضرر الأكبر من هذه الأزمة، التي لا يبدو أنها ستشهد حلًا قريبًا في ظل استمرار المصالح الضيقة التي تتحكم في موارد البلاد. وبينما يأمل اليمنيون في أن تتمكن السلطات من استعادة السيطرة على قطاع الطاقة، ووقف النزيف المستمر للموارد الوطنية، تبقى الأزمة مفتوحة على مزيد من التعقيدات، ما لم يتم اتخاذ قرارات حازمة وجادة لمكافحة هذه الظاهرة، وإنقاذ ملايين اليمنيين من شبح المعاناة المتفاقمة.
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025
فبراير 26, 2025