المدارة
الخميس 6 مارس 2025م
كتب :
عبدالله فضل الحسام
بعد يومين من عودة الرئيس الزبيدي إلى العاصمة عدن، التقيت بالصدفة بأحد أصدقائي ورفقاء درب المراحل النضالية المختلفة، ناقشنا الوضع المزري الذي تمر به العاصمة عدن وعموم الجنوب، ثم سألني باستغراب لماذا اختار الزبيدي العودة في هذا التوقيت بالذات؟ ولِمَ يغامر لجعل نفسه بالصورة في مواجهة سخط الناس، فبمجرد تواجده يكون مسؤولًا أمان الناش عن وضع حلول لأزمات مستفحلة أعيت الجميع، خاصة وأن مجلس القيادة ومعه الحكومة اختارا الهروب من المسؤولية، والتغاضي عن أنين الناس ومعاناتهم؟!
أجبته بكل برود: هذا هو عيدروس قاسم الزبيدي، كما نعرفه وكما نريد أن يكون!
= من يعرف شخص عيدروس الزبيدي، يدرك أن الرجل لا يحبذ مطلقًا الهروب من الأزمات، بل عرف عنه ثباته، وعشقه لاقتحام المخاطر ومواجهة التحديات، وعدم رمي المسؤولية على أحد حينما يكون على اتصال بها.
لعلنا نتذكر أحداث “غزوة خيبر” – كما كان يحلو “لمجاهدي مأرب” تسميتها – حين كانت كل المؤشرات تقول أن عدن قد سقطت بيد الغزاة الجدد، كان الزبيدي حينها في الخارج، قطع زيارته وعاد، والغزاة قد وصلوا بوابة العلم على تخوم العاصمة، وخلاياهم تنشط في كل حارات وأزقة عدن، وكلهم يشحذون سكاكينهم طالبين رأسه، ساعات لا يمكن أن تنتسي أو تمحى من ذاكرة الجنوبيين، غامر الزبيدي حينها بحياته وسمعته وحتى تاريخه العسكري فالهزيمة محتومة برأي كل المراقبين، دقيقة وربما أقل تحدث بها الرجل لرفاق دربه، دعاهم لحمل السلاح والتصدي للغزاة وقرر أن يكون في مقدمة الصفوف، وما هي إلا ساعتين وربما أقل، حتى انجلى غبار الغزاة، وتطايروا فرقًا في كل اتجاه، فتنفس الناس الصعداء، وركلت العاصمة عدن كعادتها آخر غازٍ من على بوابتها الشمالية، عدن التي تهيأت حينها لاستقبال عهد لطالما ألفته لثلاثة عقود، وكلما تنفست نسيم الحرية، وتزينت بثوب الحرية المطرز بعنفوان أبطالها وتضحياتهم، حتى يعودون إليها الغزاة القدامى بمسميات جديدة، وجميعهم يستكثرون عليها بضع سنوات أو حتى أشهر من الحرية بعيدًا عن سطوتهم.
قبلها بأيام كانت شبوة على موعد للسقوط بيد الجماعات الإرهابية الموالية لحزب الإصلاح، كان الوضع حالكًا، ورغم المعادلات السياسية والأطراف المتعددة خارجيًا وداخليًا، الحاضرة في هذا المشهد التراجيدي، والتي رسمت نتائجها مجتمعة، وانتهى الأمر بسقوط ألوية النخبة الشبوانية، تلك المعادلات والأطراف المتعددة كانت يمكن أن تصنع للرجل ألف عذر ليتهرب من المسؤولية عن تلك الانتكاسة، لكنه وقف بكل شموخ، قالها بشجاعة إننا نتحمل مسؤولية ما جرى، وأتعهد بإعادة بناء النخبة الشبوانية كما كانت، وهو أمر رآه البعض قفزًا على الوقع وهروب من الخيبة، أو ربما زرع أمل سقيم في عقول الناس، ومرت الأيام والأشهر والسنوات، وكانت النتيجة ما وعد به، لا ما فرضته مصالح الدول ومعادلات السياسة، هاهي الآن قوات النخبة الشبوانية عادت أقوى مما كانت وبمسمى قوات دفاع شبوة، وخرج الغزاة مدحورون وأنى لمثل شبوة أن تقبل بغازٍ يدنس تربتها!.
هذا قليل من كثير الذي يجسد شخصية اللواء عيدروس قاسم الزبيدي، مُذ كان مشردًا طريدًا في جبال الضالع، حينما استسلم الجميع – باستثناء ثلة قليلة – لواقع ما بعد غزو الجنوب صيف 1994، وحينما كان ثمن الكلمة القتل والتصفية، فكيف بمن يحمل السلاح ويقف بوجه المحتل وألوية الموت تطوق مدن وقرى الجنوب من كل اتجاه، ولا تكاد تخلو تبة أو طريق سريع، أو مدينة مترامية، أو تلة صغيرة مشرفة على منازل الناس إلا ودججوها بالمسلحين والقناصة معززين بكل معدات القتل.
لسنا بصدد الحديث عن التاريخ، أو التطبيل لأحد، لكننا بصدد قول كلمة حق، لك أن تختلف مع الزبيدي كما تشاء، لكنه على عكس غيره يشعرك بإحساسه بمعاناة الناس، ولا يتهرب من الأزمات والمواقف الصعبة.
عاد الرجل في وقت أثقلت الأزمات كاهل الناس، والوضع المزري بات أصعب من أن يحتمل، هرب كل أعضاء مجلس القيادة وحتى الحكومة موزعة وزراؤها في عواصم الدول، ومن تواجد في الداخل يحرص جيدًا على التواري، حتى لا يكون في مرمى غضب الناس، وجميعهم غير قادرين على فعل شيء، فعاد الزبيدي، بخطى الواثق من نفسه، يحاول حلحلة ما يمكن حلحلته، بدأ بملف الكهرباء التي كانت تنطفئ لأيام مستمرة، جمع المعنيين بالأمر وطرحهم أمام مسؤولية وضع حلول طارئة للانطفاءات المتكررة، وناقش معهم كل الخيارات حتى ينعم الناس في شهر الصوم الكريم، وهو ما تم، وبفضل تحركه ذاك بتنا ولأول مرة أمام 18 ساعة متوفرة، مقابل 6 ساعات انطفاء خلال اليوم.
رغم الواقع المزري والظروف الاستثنائية إلا أن هناك ما يمكن أن يقدم للناس إذا صدقت النوايا، فقط تحتاج الأمور لمن يحس بالمسؤولية، ويستشعر معاناة المواطنين.
ما لا يعرفه الكثيرون أن الزبيدي كان قبل أشهر قد وضع مصفوفة حلول للملفات الشائكة التي أرهقت الناس ومنها ملف الكهرباء، بعد اجتماعات مكثفة بأعضاء الحكومة والمعنيين بالأمر لوضع المعالجات على المدى البعيد، حيث كان ضمن مصفوفة حل ملف الكهرباء هو تشغيل مصافي تكرير النفط، والتي قدر أنها تحتاج لصيانة بما إجماليه 60 مليون دولار، وهو مبلغ بسيط أمام ما تستهلكه الكهرباء كل يوم، لكن المعطلون في الداخل والخارج سارعوا إلى إفشال كل مصفوفة الحلول والمعالجات هذه، وافتعلوا أزمات عديدة، ووضعوا قيزدًا لا تحصى لضمان إفشالها، وكل ذلك لإنهاك المجلس الانتقالي، وضرب حاضنته الشعبية.
ما يجب أن يدركه الزبيدي ويتداركه هو أن الوقت قد حان لتصحيح كل الاختلالات، وفرض رقابة شديدة على أداء كل المحسوبين على المجلس، وقد كانت الأزمة العامة وتذمر الناس في الفترة الأخيرة كفيلة بكشف طبائع ونوايا الكثيرين داخل المجلس وخارجه، وأظهرت صلابة المخلصين داخل المجلس وخارجه أيضًا ممن لم يكونوا حتى محسوبين على المجلس، وما يجب أن ندركه كجنوبيين هو أن المجلس الانتقالي آخر شعاع أمل، رغم كل هذا الواقع المر الذي صنعته أجندات السياسة، ورغم التحفظات على الكثير من النهج والأشخاص داخله، لكن يبقى المجلس الانتقالي الجنوبي، سبيلنا الوحيد لمواصلة المشوار (رغم كل الأخطاء والملاحظات التي رافقت مسيرته).
فبراير 25, 2025
فبراير 18, 2025
فبراير 18, 2025
فبراير 17, 2025
فبراير 11, 2025
فبراير 6, 2025
فبراير 1, 2025
يناير 14, 2025
ديسمبر 28, 2024
ديسمبر 11, 2024
نوفمبر 7, 2024
نوفمبر 7, 2024
أكتوبر 24, 2024